Sunday, August 13, 2006

مقدمة - عودة لقمان - أديب عباسي

مقدمة


أيها القارىء والقارئة العزيزين

هذا الجزء من قصص الأمثال أو أمثال القصص هو جانب من مجموعة لنا تقع في نحو ألف أقصوصة أو دون ذلك بقليل جعلتها حيناً على لسان الحيوان، وحيناً آخر على لسان الإنسان، وحيناً ثالثاً على لسان جماد أو نبات، وحيناً رابعاً جعلتها بين بعض الكائنات وبعضها الآخر. وقد توخيت في الجانب الأكبر منها ان امثل خلق من الأخلاق النادرة أو خالجة من خوالج النفس الغريبة أو سلوك من سلوك الأحياء غير قريب ولا مألوف. وسيرى قارىء هذه الأقاصيص ان الندرة أو الغرابة و البعد عن الألف فيما وصفت من خلق أو كشفت عن خالجة أو أظهرت من سلوك ليست ندرة القلة والشذوذ، ولا غرابة الخصوص والبعد من الشمول، ولا ابتعاد المغايرة والاختلاف مع خبرة الناس كافة ومشاهدتهم، وإنما هي ندرة الخفاء وغرابته وبعده ليس غير. إنني في هذه الأقاصيص أرض على القارىء مقطعاً أفقياً من أخلاق الناس لا مقطعاً رأسياً، فإذا بدت نماذجه غريبة أو بعيدة فإنما ذلك إنها تمثل طبقة خفية مستورة من أخلاق البشر وسلوكهم تغطيها وتخفيها الطبقات الظاهرة على السطح التي تشهدها كل عين ويفطن إليها كل وعي ويلتفت إليها كل انتباه ويعيها كل ذهن. غير إنني لا أزعم إنني مثلت تمثيلاً كاملاً في هذه الأقاصيص لكل الأهواء البشرية ونزعاتها المستورة وأخلاقها غير المألوفة وأشكال سلوكها النادر ومشاعرها غير المرئية، فأولئك جميعا أعمق وأعم وأشمل من ان يضمها كتاب أو كتب أو يحصيها كاتب أو عدد من الكاتبين أو يكشفها كاشف أو عديد الكاشفين مهما بلغوا جميعاً من الشمول والاحاطة والقدرة على النفوذ وسبر الأغوار في النفس البشرية، ولكنني أزعم أنني قد ضمنت هذه الأقاصيص من شؤون الخلق والسلوك والميول والنزوات ما تستطيع ان تتضمنه ألف أقصوصة مستقلة كل أقصوصة فيها تمثل تمثيلاً مستقلاً غير معاد لواحد من هذه الأخلاق أو واحدة من هذه النزعات. وإذا رأيتما خلقاً أو عاطفة أو سلوكاً أو شعوراً أو نزعة غير ممثلة في هذا الجزء فعليكما ان تنتظرا الأجزاء الأخرى الباقية من هذه المجموعة وحينها ستريان ما افتقدتماه من خلق أو خالجة أو طبع أو خلة أو لا تريانها وتقولان أنها مما فات المؤلف رؤيته وتسجيله لأن
.الرؤية الكاملة لكل شأن من شؤون الحياة شيء ليس في وسع البشر ولا في طاقتهم

وقصص الأمثال أو أمثال القصص ليست فناً حديثاً من فنون القول والتعبير الفني عالجه الكتاب في عصر متأخر فقط لما أمست الرواية هي اللون السائد من ألوان التعبير الفني بين الناس، فهي من أعرق فنون التعبير الفني بين الناس خاصتهم وعامتهم على السواء ومن أكثرها شيوعاً على الألسن وترديداً في المجالس، ان لم تكن أكثرها على الإطلاق. ومؤرخو الأدب العربي يرجعون بداءة الأمثال إلى لقمان ويضعونها ويضعونه في جاهلية العرب الأولى قبل آلاف السنين. ويرجع مؤرخو آداب الغرب ابتداءها إلى ايزوب اليوناني صاحب المجموعة الخالدة من الأمثال التي سميت باسمه. ولا يعرف الأدب العربي ولا الأدب الغربي عن شخصيتي المثل الأوليين هاتين غير هذا الذي ذكرت. وفيما عدا ذلك لا نعرف عن لقمان إلا ما روي على لسانه من بضعة عشر أقصوصة حكيمة، ولا يعرف الغرب عن ايزوب حكيمه الأول إلا كتابه المذكور، وهو كتاب بلغ من الشهرة والذيوع بحيث بات أكثر تعابيره الرشيقة ومغازيه الطريفة الظريفة من ثروة الأدب الغربي التي لا يستغني عنها أديب أو كاتب كلما شاء ان يُكسب أسلوبه مسحة من الرشاقة والظرف مع حسن الإيجاز والتركيز. وتصمت آداب الشرق وآداب الغرب دهراً بعد هذين الحكيمين قبل ان تقدم لنا مثالاً آخر من حكماء القصة، وذلك حينما يبرز على ميدان الحكمة والإرشاد كتاب "كليلة ودمنة" مترجماً بقلم ابن المقفع عن الفارسية مترجمته عن الهندية بدورها هي الأخرى. ولولا الاستطراد الطويل الممل الذي يتسم به الكتاب من أوله إلى أخره، ولولا شيء من البعد حيناً عن الامكان في بعض نواحي الخبرة البشرية لكان بأسلوبه الامثل في الابتعاد عن جانبي الإيجاز المخل والإطناب الممل خير ما أُلف في هذا الباب من أبواب الأدب. أما آداب الغرب فتظل على صمتها بعد ايزوب إلى ان يُترجم إليها كتاب "كليلة ودمنة"، ثم يقوم لافونتين ويأخذ عنه وعن ايزوب عدداً وافراً من القصص وينظمه في تحوير قليل أو دون تحوير في شعر بلغ الذروة من سلامة التعبير وسلامة البناء وجمال الأداء حتى قال فيه أحد نقاد الغرب، "ان لافونتين هو الشاعر الافرنسي الوحيد الذي يستطيع ان يخاطب جميع الناس ويفهمونه، وهو الشاعر
،الذي لا يفوقه شاعر في تعدد نواحيه الإنسانية وصدقها. إننا نحبه حباً جماً ونضحك معه، بل ونضحك عليه الحين بعد الحين
."ونود ابلغ الود ان نمر به يوماً من الأيام في صحبة الخالدين

وبعد هذين الحكيمين عالج هذا الضرب النفيس من ضروب الأدب نفر من الكتاب الغربيين والشرقيين نجح بعضهم بعض النجاح وأخطأه البعض الآخر، ولكن لم يستطع أحدهم على كل حال ان يبلغ ولو قريباً من المنزلة الرفيعة التي بلغها كليلة ودمنة
.وكتاب لافونتين

ومن كتاب الشرق الذين عالجوا هذا الفن من فنون التعبير الشرقي، عالجه فيما أذكر في بضع عشرة أقصوصة بعضها مقتبس وبعضها موضوع وكلها عليها الطابع الشوقي المألوف من حيث نصوع الديباجة ورشاقة التعبير وقرب المأخذ وعفو الأداء وسلامته. ومنهم كذلك جبران في كتابه المجنون، وهو في رأيي خير كتبه في العربية والإنجليزية على السواء. فهو يخلو من عيوب جبران في صوفيته القاتمة في أكثر كتبه الإنجليزية وفي بعض كتبه العربية بالغم من عنوان الكتاب الذي يوحي بالإغراب أو الإبهام أو الشرود. وممن عالجوا هذا الفن شعراً على نطاق ضيق جداً، أبو ماضي، وله في ديوان الجداول بضع قصص كالغدير الطموح والوردة الذابلة والضفادع بلغت مبلغاً بعيداً من سداد الحكمة وصدق التجربة وسلامة التعبير. وممن عالجوا هذا الفن نثراً من كتاب الشرق هندي باسم ايار. وقد ترجم كتابه إلى العربية الأستاذ حسن عبده الزيات. وإذا كان كل الكتاب أو جله في جودة الأمثلة التي اقتبستها عنه الرسالة يومئذ في معرض تقديمه إلى القراء فهو كتاب في درجة عالية من الجودة والنفاسة. أما كتاب جنة الشوك لدكتور طه حسين في ندري أنستطيع ان نضيفه إلى هذا الضرب من ضروب
.التعبير الفني أم هو بما فيه أو في معظمه على الأقل من وعظ سافر أدنى إلى غير هذا اللون من ألوان الأدب وألصق به

إذاً أنتما تريان أيها القاريء والقارئة ان المؤلفين البارزين في هذا الباب من أبواب الأدب لا يكادون يعدون في جميع العصور
.وفي جميع الأمصار على أصابع اليدين معاً

وقد تسألان عن علة هذه القلة في معالجي هذه الناحية من نواحي التعبير عن الخبرة البشرية، أهي هوان هذه الناحية على القارئين والكاتبين أم هي شيء آخر؟ أما الهوان فجوابه ان أروج كتاب في اللغة العربية بعد الكتب الدينية وأكثرها عدد طبعات نفيسة أو غير نفيسة وادومها عهداً في أيدي الناشئة وأشدها إلزاماً بالرجوع إليها بعد ترك طويل أو قصير لتقويم اللسان وتحسين البيان مع إفادة المتعة الطريفة تصاب خلال ذلك في كل مدرسة عربية أو غير عربية في كل قطر عربي هو كتاب كليلة ودمنة. كذلك نستطيع ان نقول ان أروج الأقاصيص وأروج الدواوين في الأدب الغربي هما مجموعة ايزوب وديوان لافونتين. فهما الكتابان اللذان ينطبق عليهما وصف الناقد الغربي من حيث النفوذ إلى كل القلوب في كل الأعمار وفي كل
.الأمصار، لا يترفع عنهما الكبار ولا يشقان على الصغار

أما الشيء الآخر في تفسير هذه القلة الغريبة الملحوظة في إنتاج المنتجين في هذا المجال فنعم. وأحسب ان الذي جعل هذا الصنف من صنوف الأدب أقل الأصناف تعدداً هو أنه أشق هذه الأصناف وأكبرها مؤونة على الأديب المفكر. فالمثل الإقصوصي يجب ان يحوي في أول ما يحويه فكرة مبتكرة وحكمة مصيبة تصور تصويراً جميلاً خبرة أو خلقاً أو مشرباً أو عادة أو مسلكاً أو هوى أو فلسفة أو خلاف هذه من شؤون النفس والحس في ما لا يتجاوز الأسطر أو الصفحة الواحدة أو الصفحات القليلة أشد القلة على الأكثر. ذلك أن المثل إذا تجاوز هذا القدر أصبح قصة تؤثر تأثيرها الآني، ولكن قلما تذكر على تطاول الزمن ومزاحمة المؤثرات، وهو المقصود من المثل الإقصوصي بالإضافة إلى متعة الحاضر والتأثير المباشر، وذلك لاشتباك عقد هذه القصص في أغلب الأحيان وتعدد أحداثها وكثرة أشخاصها وطول أوصافها مما لا يتيح لها ذكراً قريباً دائماً على مر الزمن وتطاول الأحداث كالذي يتاح لمثل الموجز أشد الإيجاز المركز أبلغ التركيز، ثم ان الإيجاز مع الطرافة والابتكار والعمق هي أشق ما يتصدى له المؤلفون ويعانون. ومن هنا يؤثر الأديب ان يقصر قوى الابتكار عنده على فكرة أو فلسفة واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو عشر أو عشرين ويبني على كل منها بناء ضخماً من الفروع والأوصاف "والتشخيص" والحوادث في رواية أو روايات قليلة مطولة على ان يصرف جهوده أجمع على مئات الفكر يشتقها من خبرته وخبرة الناس ويبني على كل منها أقصوصة الأسطر أو الصفحة أو الصفحات القليلة، فلا يتجاوز إنتاجه الأدبي والحالة هذه مدى الحياة كتاباً واحداً أو كتابين، إلا إذا كان من جبابرة
.الفكر الذين يستطيعون ان ينتجوا أضخم الإنتاج في كل لون من ألوان الأدب والفن والمعرفة ويكونون من المجلين فيها جميعاً

وقد يأخذ الآخذون على قصة المثل القصير أنها لا تتسع لأكثر من إبراز الفكرة، فلا مجال فيها لتلوين العاطفي وتوكيد المشاعر وتعميق الإحساس مما يكسب الفكرة قوة ونفوذاً بالغين في نفوس القارئين، وأجيب هؤلاء الآخذين المحتملين أو الواقعيين أنه كما يستطيع الشاعر من الشعراء ان يضع في المقطوعة لا تتجاوز أبياتها عدد أصابع اليد الواحدة من إحساسه وروحه ما تخطئه في المطولة من المطولات أو حتى الديوان الكامل من الدواوين المغسولة يستطيع الكاتب من الكتاب ان يشحن
.المثل القصير بشحنات من الإحساس لا تجدها في ألوف الصفحات المنثورة المائعة ميوعة الماء الباردة برودة الماء كذلك

وقد يقال أيضاً ان فكرة المثل قد تجيء في أكثر الأحوال أبسط تركيباً وأضيق أفقاً من فكرة الرواية الكبيرة أو المتوسطة، فلا يصح والحالة هذه ان يقارن بين إنتاج الروائي ذي الروايات القليلة ذات التفريغ والتعميق والتعقيد والبسط والتحليل وروائي الأمثال الموجزة المركزة. والجواب السريع هنا أن كثيراً من قصص الأمثال أو القصص القصيرة جداً من غير الأمثال قد جعل أساساً ونواة لتمثيليات وروايات ضخمة ناجحة كل النجاح، مما يدل على ان فكرة المثل الجيد لا تقل شمولاً ولا عمقاً ولا صلاحاً لتكون أساستً لرواية الضخمة من الفكرة الروائية تجيء خارج نطاق المثل القصير. وأقرب مثال على ذلك وادعاه إلى جلب أشد الانتباه رواية تهذيب الشريرة لشكسبير (أو مارلو كما يريد ناقد أمير كي حديث يصر على ان مارلو هو صاحب كل ما ينسب إلى شكسبير من شعر ونثر). فأصل هذه التمثيلية أقصوصة قصيرة لروائي الأسباني جوان مانويل الذي عاش بين عامي 1282و1349. ولست أشك ان روايته هذه ترجع بدورها إلى أصل عربي أندلسي. فأبطالها عنده من عرب الأندلس، وهي مما يرويه العامة في الأردن في مجالسهم الخاصة وسهراتهم المنزلية للتندر في مابينهم كلما جاء ذكر الزوج القوي يخضع الزوجة السليطة المناكفة بألوان من الشدة والعنف لا تقع عليها مباشرة وإنما تقع في مشهد منها على غيرها من الأحياء، ثم كلما جاء ذكر الزوج الضعيف الذي يرى نجاح هذا الأسلوب الطريف في تهذيب الزوجة الشريرة، فيحاول تقليده، ولكن يفشل أخجل الفشل وأزراه لما سبق لعلم زوجته من ضعفه وخنوعه. فالراجح إذاً ان أصل هذه التمثيلية هو أصل عربي من أدب الخاصة ضاعت أصوله فيما ضاع من أصول الأدب العربي، أو هو من أدب العامة أنتقل فيما أنتقل مع العرب إلى الأندلس، وتداولته الألسن أمداً طويلاً هناك حتى انتهت الأقصوصة إلى الأديب الأسباني المذكور، ومنه انتقلت إلى شكسبير

هذا، وقد أخذت عدداً من مجموعتي القصصية المثلية في العربية ومن مجموعتي الأخرى الشعرية المثلية في الإنجليزية، وهي في عدد المجموعة العربية أو تزيد عنها قليلاً، وبنيت على حبكتها وفكرتها قصصاً مطولاً أو متوسط الحجم، وأعتقد ان ما أصبته من توفيق هناك فيما ألفت لا يقل عما وفقت فيه، ومهما يكن مقداره، فيما اصطنعت له فكرة وحبكة من خارج هاتين المجموعتين, وقد جرى غيري من الكتاب المحدثين على هذا الأسلوب واصطنع رواية قصيرة له أو لغيره من الكتاب، فنجح
.فيها مثل نجاحه في الفكرة أو الحبكة تستجدان ولا تؤخذان من بعيد أو قريب

ولمناسبة الحديث عن تهذيب الشريرة ورجوعها في الأرجح إلى أصل عربي في الفصحى أو العامية أود ان أنبه أبناء البلدان العربية مرة أخرى، كما نبهتهم منذ عشرين عاماً على صفحات الهلال ونلت على ذلك كالذي نال سنمار إلى ان لعامة أدباً وفناً يجب ألا نترفع عنهما ونزم الشفاه تيهاً وخيلاء كلما سمعنا أقصوصة أو مثلاً أو قصيدة عامية، فقد يكون بينها ما لا تجد له مثيلاً في الطلاوة وصدق التجربة وشمول الخبرة في كتابة الفصحاء ونتاج البلغاء من قدماء ومحدثين. وقد تنبه الغربيون إلى خطر الأدب الشعبي من حيث دلالاته النفسية والاجتماعية والتاريخية على أصحابه، ثم من جهة اتخاذه مادة حية ينسجون منها ويبنون عليه أبنية فنية خالدة، فأسسوا له في جامعاتهم الكراسي الكاملة، ورصدوا له الميزانيات الفخمة للرحلة بين
.العامة والدراسة والتدوين أو للتدريس والتأليف والتحليل والنشر

وفي مجموعتي العربية والإنجليزية نحو ستين أقصوصة أو دون ذلك بقليل كانت نواتها مثلاً عامياً طريفا سمعته أو قرأته في صحيفة أو كتاب. وفي هذا الجزء الذي أقدم الآن نحو عشر قصص ترجع إلى مثل هذه الأمثال، والذين لم ينقطعوا عن بيئتهم في الأردن يستطيعون ان يهتدوا إليها بسهولة ويروا مقدار صلاحها لتكون أساساً لحبكة ناجحة تبرز فكرة فلسفية أو أدبية أو
.خلافها

وأعود بعد هذا الاستطراد القصير إلى الحديث عن مجموعتي هذه وأشير إلى ان عناوينها كلها، ما عدا قلة قليلة جاءت شطرة من بيت أو قولاً مأثوراً مشهوراً، هي مما لخصت به عبرة الأقصوصة أو حكمتها أو فلسفتها، أو ما شئت فسمها، وهذا لا يعني ان كل أقصوصة من هذه الأقاصيص أجريت هذا المجرى، فأن بعضها جاءت عبرته أو مغزاه في ختامه كما جرى على ذلك ايزوب وابن المقفع ولافونتين في أكثر ما قصوا، وبعضها الآخر تركت فيه استخراج العبرة أو الفلسفة التي أتوخى لفطنة
.القاري، فلا تفوته لذة الاستكشاف واصطناع الخيال للوصول إليها

وأود قبل الانتهاء من هذه المقدمة ان أوجه كلمة إلى أبناء الأردن خاصة، وهي أنني أؤمل ان يكونوا أكبر ثقة بأنفسهم وأنقى دواخل وأشرف بواطن من ان يحسبوا كل مغزى موجهاً إليهم بالذات وكل طعنة مسددة إلى صدورهم لا إلى صدر أحد غيرهم، فلا يصدق عليهم حينئذ المثل الأردني المعروف "كل وسخ في البلد يأخذ المعنى عليه"، فيصدق عليهم بعده القول المأثور "كاد المريب ان يقول خذوني"، إنني كتبت هذه الأقاصيص في العربية والإنجليزية على السواء والنماذج العالمية لا سواها وأعمالها وصفاتها أمامي، لا النماذج المحلية الأردنية. فليكن الأردنيون أكرم نفوساً وأصفى طباعاً وأنقى ضميراً من ان
.يحسبوا أنفسهم هم المعنيين بهذا المثل أو ذاك المثل مما سيقرأون

وأخيراً، أو قبل الأخير، أهيب بالسارقين وأعوان السارقين والمتسترين على السارقين ممن سطوا على هذه المجموعة أو سطا غيرهم عليها لحسابهم، وسطوا على شقيقتها الإنجليزية كذلك، وسطوا على غيرهما من إنتاجنا الأدبي أو العلمي ان هذه فرصتكم أيها اللصوص وأعوان اللصوص، فأروني وجوهكم ان كانت بقيت لكم وجوه، واتركو الائتمار والتدبير من وراء الأستار أو الضرب والطعن خالين إلى أنفسكم وإلى المعجبين والمعجبات ببراعتكم في اللص والاستراق دون ان تروني أو
.أراكم: هذه فرصتكم يا هؤلاء، فأروني وجوهكم ان كنتم تؤمنون بصدق ما تقولون وتدعون

وفي الختام لا يسعني إلا أن أشكر السيد سلوم الحلو صاحب "مطابع الحسين" في مدينة عمان لنبالة قصده وأريحيته لما أخذ على عاتقه بالاشتراك مع الشاب الشهم السيد يوسف سليمان عباسي طبع هذا الجزء على نفقتهما، بعد ان حفيت قدماي دون جدوى وأنا أدور بمخطوطته أو غيرها من إنتاجي الأدبي أو العلمي على مطابعنا العربية في فلسطين والأردن وسوريا أو أكلف من يدور بنماذج منها على المطابع، ثم بعد ان أملني وابرمني إلى حد التغثية الشديدة المتبرعون بالطبع باللسان، فإذا جد الجد وقلت هيا ان كنتم صادقين، تقاعسوا واعتذروا أو غابوا عن عياني ومشاهدتي غيبة غراب نوح
.فإلى هذين الشابين الشهمين شكري مرة أخرى مضاعفاً، غير مضنون به ولا مقسور

No comments:

Post a Comment