ليدين من حجر و زعتر
هذا النشيد .. لأحمد المنسيّ بين فراشتين
مضت الغيوم و شرّدتني
و رمت معاطفها الجبال و خبّأتني
.. نازلا من نحلة الجرح القديم إلى تفاصيل
البلاد و كانت السنة انفصال البحر عن مدن
الرماد و كنت وحدي
... ثم وحدي
آه يا وحدي ؟ و أحمد
كان اغتراب البحر بين رصاصتين
مخيّما ينمو ، و ينجب زعنرا و مقاتلين
و ساعدا يشتدّ في النيسان
ذاكرة تجيء من القطارات التي تمضي
و أرصفة بلا مستقبلين و ياسمين
كان اكتشاف الذات في العربات
أو في المشهد البحري
في ليل الزنازين الشقيقة
قي العلاقات السريعة
و السؤال عن الحقيقة
في كل شيء كان أحمد يلتقي بنقيضه
عشرين عاما كان يسأل
عشرين عاما كان يرحل
عشرين عاما لم تلده أمّه إلّا دقائق في
إناء الموز
. و انسحبت
، يريد هويّة فيصاب بالبركان
سافرت الغيوم و شرّدتني
ورمت معاطفها الجبال و خبّأتني
أنا أحمد العربيّ - قال
أنا الرصاص البرتقال الذكريات
و جدت نفسي قرب نفسي
فابتعدت عن الندى و المشهد البحريّ
تل الزعتر الخيمة
و أنا البلاد و قد أتت
و تقمّصتني
و أنا الذهاب المستمرّ إلى البلاد
... و جدت نفسي ملء نفسي
راح أحمد يلتقي بضلوعه و يديه
كان الخطوة - النجمه
و من المحيط إلى الخليج ، من الخليج إلى المحيط
كانوا يعدّون الرماح
و أحمد العربيّ يصعد كي يرى حيفا
. و يقفز
أحمد الآن الرهينه
تركت شوارعها المدينة
و أتت إليه
لتقتله
و من الخليج إلى المحيط ، و من المحيط إلى الخليج
كانوا يعدّون الجنازة
وانتخاب المقصلة
أنا أحمد العربيّ - فليأت الحصار
جسدي هو الأسوار - فليأت الحصار
و أنا حدود النار - فليأت الحصار
و أنا أحاصركم
أحاصركم
و صدري باب كلّ الناس - فليأت الحصار
لم تأت أغنيتي لترسم أحمد الكحليّ في الخندق
الذكريات وراء ظهري ، و هو يوم الشمس و الزنبق
يا أيّها الولد الموزّع بين نافذتين
لا تتبادلان رسائلي
قاوم
إنّ التشابه للرمال ... و أنت للأزرق
و أعدّ أضلاعي فيهرب من يدي بردى
و تتركني ضفاف النيل مبتعدا
و أبحث عن حدود أصابعي
... فأرى العواصم كلها زبدا
و أحمد يفرك الساعات في الخندق
لم تأت أغنيتي لترسم أحمد المحروق بالأزرق
هو أحمد الكونيّ في هذا الصفيح الضيّق
المتمزّق الحالم
و هو الرصاص البرتقاليّ .. البنفسجه الرصاصيّة
و هو اندلاع ظهيرة حاسم
في يوم حريّه
يا أيّها الولد المكرّس للندى
َ! قاوم
يا أيّها البلد - المسدس في دمي
! قاوم
الآن أكمل فيك أغنيتي
و أذهب في حصارك
و الآن أكمل فيك أسئلتي
و أولد من غبارك
فاذهب إلى قلبي تجد شعبي
شعوبا في انفجارك
... سائرا بين التفاصيل اتكأت على مياه
فانكسرت
أكلّما نهدت سفرجله نسيت حدود قلبي
و التجأت إلى حصار كي أحدد قامتي
يا أحمد العربيّ ؟
لم يكذب عليّ الحب . لكن كلّما جاء المساء
امتصّني جرس بعيد
و التجأت إلى نزيفي كي أحدّد صورتي
. يا أحمد العربيّ
لم أغسل دمي من خبز أعدائي
و لكن كلّما مرّت خطاي على طريق
فرّت الطرق البعيدة و القريبة
كلّما آخيت عاصمة رمتني بالحقيبة
فالتجأت إلى رصيف الحلم و الأشعار
كم أمشي إلى حلمي فتسبقني الخناجر
! آه من حلمي و من روما
جميل أنت في المنفى
قتيل أنت في روما
و حيفا من هنا بدأت
و أحمد سلم الكرمل
و بسملة الندى و الزعتر البلدي و المنزل
لا تسرقوه من السنونو
لا تأخذوه من الندى
كتبت مراثيها العيون
و تركت قلبي للصدى
لا تسرقوه من الأبد
و تبعثروه على الصليب
فهو الخريطة و الجسد
و هو اشتعال العندليب
لا تأخذوه من الحمام
لا ترسلوه إلى الوظيفه
لا ترسموا دمه و سام
فهو البنفسج في قذيفه
صاعدا نحو التئام الحلم
تتّخذ التفاصيل الرديئة شكل كمّثرى
و تنفصل البلاد عن المكاتب
و الخيول عن الحقائب
للحصى عرق أقبّل صمت هذا الملح
أعطى خطبة الليمون لليمون
أوقد شمعتي من جرحي المفتوح للأزهار
و السمك المجفّف
للحصى عرق و مرآه
و للحطاب قلب يمامه
أنساك أحيانا لينساني رجال الأمن
يا امرأتي الجميلة تقطعين القلب و البصل
الطري و تذهبين إلى البنفسج
فاذكريني قبل أن أنسى يدي
... و صاعدا نحو التئام الحلم
... تنكمش المقاعد تحت أشجاري و ظلّك
يختفي المتسلّقون على جراحك كالذباب الموسميّ
و يختفي المتفرجون على جراحك
! فاذكريني قبل أن أنسى يديّ
و للفراشات اجتهادي
و الصخور رسائلي في الأرض
لا طروادة بيتي
و لا مسّادة وقتي
و أصعد من جفاف الخبز و الماء المصادر
من حصان ضاع في درب المطار
و من هواء البحر أصعد
من شظايا أدمنت جسدي
و أصعد من عيون القادمين إلى غروب السهل
أصعد من صناديق الخضار
و قوّة الأشياء أصعد
أنتمي لسمائي الأولى و للفقراء في كل الأزقّة
: ينشدون
صامدون
و صامدون
و صامدون
كان المخيّم جسم أحمد
كانت دمشق جفون أحمد
كان الحجاز ظلال أحمد
صار الحصار مرور أحمد فوق أفئدة الملايين
الأسيرة
صار الحصار هجوم أحمد
! و البحر طلقته الأخيرة
يا خضر كل الريح
! يا أسبوع سكّر
يا اسم العيون و يا رخاميّ الصدى
يا أحمد المولود من حجر و زعتر
ستقول : لا
ستقول : لا
جلدي عباءة كلّ فلاح سيأتي من حقول التبغ
كي يلغي العواصم
و تقول : لا
جسدي بيان القادمين من الصناعات الخفيفة
و التردد .. و الملاحم
نحو اقتحام المرحلة
و تقول : لا
و يدي تحيات الزهوز و قنبلة
مرفوعة كالواجب اليومي ضدّ المرحلة
و تقول : لا
يا أيّها الجسد المضرّج بالسفوح
و بالشموس المقبلة
و تقول : لا
يا أيّها الجسد الذي يتزوّج الأمواج
فوق المقصلة
و تقول : لا
و تقول : لا
و تقول : لا
و تموت قرب دمي و تحيا في الطحين
ونزور صمتك حين تطلبنا يداك
و حين تشعلنا اليراعة
مشت الخيول على العصافير الصغيرة
فابتكرنا الياسمين
ليغيب وجه الموت عن كلماتنا
فاذهب بعيدا في الغمام و في الزراعة
... لا وقت للمنفى و أغنيتي
سيجرفنا زحام الموت فاذهب في الرخام
لنصاب بالوطن البسيط و باحتمال الياسمين
واذهب إلى دمك المهيّأ لانتشارك
و اذهب إلى دمي الموحّد في حصارك
... لا وقت للمنفى
و للصور الجميلة فوق جدران الشوارع و الجنائز
و التمني
كتبت مراثيها الطيور و شرّدتني
ورمت معاطفها الحقول و جمعتني
فاذهب بعيدا في دمي ! و اذهب بعيدا في الطحين
لنصاب بالوطن البسيط و باحتمال الياسمين
يا أحمد اليوميّ
يا اسم الباحثين عن الندى و بساطة الأسماء
يا اسم البرتقاله
! يا أحمد العاديّ
كيف محوت هذا الفارق اللفظيّ بين الصخر و التفاح
! بين البندقيّة و الغزاله
... لا وقت للمنفى و أغنيتي
سنذهب في الحصار
حتى نهايات العواصم
فاذهب عميقا في دمي
اذهب براعم
و اذهب عميقا في دمي
اذهب خواتم
و اذهب عميقا في دمي
اذهب سلالم
! يا أحمد العربيّ... قاوم
... لا وقت للمنفى و أغنيتي
سنذهب في الحصار
حتى رصيف الخبز و الأمواج
تلك مساحتي و مساحة الوطن - الملازم
موت أمام الحلم
أو حلم يموت على الشعار
فاذهب عميقا في دمي و اذهب عميقا في الطحين
لنصاب بالوطن البسيط و باحتمال الياسمين
... و له انحناءات الخريف
له وصايا البرتقال
له القصائد في النزيف
له تجاعيد الجبال
له الهتاف
له الزفاف
له المجلّات الملوّنه
المراثي المطمئنة
ملصقات الحائط
العلم
التقدّم
فرقة الإنشاد
مرسوم الحداد
و كل شيء كل شيء كل شيء
حين يعلن وجهه للذاهبين إلى ملامح مجهه
! يا أحمد المجهول
كيف سكنتنا عشرين عاما و اختفيت
و ظلّ وجهك غامضا مثل الظهيرة
يا أحمد السريّ مثل النار و الغابات
أشهر وجهك الشعبيّ فينا
واقرأ وصيّتك الأخيرة ؟
يا أيّها المتفرّجون ! تناثروا في الصمت
و ابتعدوا قليلا عنه كي تجدوه فيكم
حنطة ويدين عاريتين
وابتعدوا قليلا عنه كي يتلو وصيّته
على الموتى إذا ماتوا
و كي يرمي ملامحه
! على الأحياء ان عاشوا
! أخي أحمد
و أنت العبد و المعبود و المعبد
متى تشهد
متى تشهد
متى تشهد ؟
الشاعر محمود درويش
1 comment:
من أجمل القصائد التي قرأتها, معانٍ متداخلة... كلما قرأتها اكتشفت فيها معنى جديدا ولونا اخر... اختيار موفق لم يختر مرسيل خليفة هذه القصيدة عن عبث
Post a Comment