هند أبو الشعر في أعمالها القصصية والشعرية الكاملة
عن القدس العربي ـ من يحيي القيسي
الخميس ٢٩ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
من منشورات البنك الأهلي الأردني ودار ورد للنشر والتوزيع في عمان صدرت مؤخرا الأعمال الأدبية الكاملة للقاصة والباحثة د. هند أبو الشعر، وقد تضمنت المجموعات القصصية: شقوق في كف خضرة العام 1982، ثم المجابهة 1984، و الحصان عام 1990، عندما تصبح الذاكرة وطناً 1996، الوشم 2000، إضافة إلي بواكير قصصها، وأخري من القصص الجديدة التي لم تصدر في مجموعات، وقصائدها الشعرية، ونصوص سردية وشعرية، ومشاهد مسرحية، وقد كتب الناقد د. شكري عزيز ماضي مقدمة لهذه الأعمال.
تتعدد اهتمامات د. هند أبو الشعر الإبداعية عبر مثابرة واضحة أنجزت خلالها عدداً من الإصدارات القصصية، كما ساهم تعمقها في الجانب الأكاديمي في تأليف عدد من البحوث التوثيقية والتأريخية. وقد عرفت أبو الشعر في بداياتها شاعرة نشطة لها مشاركاتها في الأمسيات الشعرية لا سيما أثناء دراستها في الجامعة الأردنية في نهاية السبعينات. وما لبثت أن هجرت الشعر واتجهت نحو القصة القصيرة، . كما كان لها اسهاماتها الواضحة في الفن التشكيلي من خلال المشاركة في العديد من المعارض، ومن جانب آخر تميزت أبحاثها التوثيقية والتأريخية بجهد عالٍ وبحث دؤوب في ما هو جديد في محاولة منها للتأسيس والتأصيل بعيداً عن النقل والاجترار وقد أصدرت في هذا الاتجاه حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي في الكوفة ، اربد وجوارها ناحية بني عبيد 1850 ـ 1928 ، تاريخ شرقي الأردن في العهد العثماني 1516 ـ 1918 . إضافة إلي تحريرها العديد من الكتب المتخصصة ومشاركاتها في المؤتمرات المحلية والعربية. وهي اليوم تعمل أستاذة للتاريخ الحديث وعميدة لكلية الآداب والعلوم بجامعة آل البيت شمال الأردن، إضافة إلي رئاسة تحرير مجلة البيان الثقافية التي تصدرها الجامعة.
يقول الناقد د. ماضي عن هذه الأعمال في مقدمته:
الأديبة هند أبو الشعر من هؤلاء المبدعين الذين أخلصوا لفن القصة القصيرة، وأسهموا في حفر مجراه، مع أن مشروعها الإبداعي لا ينحصر في حق القصة القصيرة، إذ ينطوي علي أشكال إبداعية متنوعة:فهي تكتب القصة القصيرة والشعر والمشاهد المسرحية وتمارس الفن التشكيلي وفوق هذا كله فإنها كاتبة نصوص، وهذه النصوص تضع نفسها في منطقة الحدود المضطربة بين الأجناس المعروفة أوالأنواع المألوفة، إذ تتقاطع مع الشعر والنثر وتتداخل في مستوي ما مع الإبيجراما، وقصيدة النثر، ومع ما اصطلح عليه مؤخرا القصة القصيرة جدا ، فهي نصوص مكتوبة تطرح إشكــالية التصنيف وتجربة الحدود والقيود، لكن القصة القصـــيرة ظلت عشقها الأول، والحقل الفريد الذي غرست فيه سنوات طوالا من عمرها ـ باقتدار لافت ـ تجســـــيد صوت أدبي خاص، صوت هدفه الفن والجمال، وعماده الإنســـــان، وغايته الحرية والعدالة معــــا، لهذا تري أن أسلوبها التعبيري علي مستــــوي الفن ـ يلون وظلل وينحـــــت ويصقل ـ وفي البنية الأعمق يتفاعل مع جدلية الحيــــاة وتناقضاتها، فالأسلوب ليس مجرد وسيلة في الإنشاء والبناء، وإنما هو في اللحظة عينها طريقة في الكشف والإدراك أيضا .
ويضيف الناقد د.ماضي فالقاريء لقصص هند أبو الشعر يحلق في فضاء سردي رمادي قاتم ومرعب فالمناخ العام مأساوي كئيب، والغيوم مكفهرة ومرعبة، لكنها ـ وهذا من خلال نمو الصور السردية والحوارية ونسيج النهايات ـ غيوم متحركة لهذا تبقينا القصص في فزع متصل وفي يقظة دائمة، ربما لأن الأجواء المأساوية التي تهيمن علي العالم القصصي لا تتمحور حول الأنا / الذات الفردية بل ترتبط بالآخر / المصير الجماعي / المصير الإنساني، وربما لأن القصص توميء وسط الظلام الحالك إلي أفق بعيد به كوة صغيرة، كوة الخلاص أو به قبس يمكن أن يتحول إلي شمس لاهبة مطهرة، لكن بروز المصير الإنساني / مصيرالجماعة واختفاء الذات من خلال تقنية الأصوات المتعددة في عدد من القصص، واختفاء السرد بضمير الغائب في عدد آخر ـ لا يعني أن الذات بمنأي عن الفزع والرعب أو بعيدة عما يحدث أو أنها مجرد شاهد علي ما يجري، بل إن الذات وسط اللجة، وخلاصها يكمن في خلاص الجماعة....، ويشعر القاريء من خلال ما يشيعه فينا السرد بشكل مباشر حينا وغير مباشر في أغلب الأحيان أن في نفس الكاتبة حركة موارة تنفث معاناة متراكمة مزمنة، هذه المعاناة تدفعها للكتابة بحثا عن التناغم والانسجام، فتكتب وتكتب، وتصوغ صورا رمزية وأخري سردية انسيابية تجسد الواقع وحركته وما يعتريه من خلل وتناقضات، وفي كثير من الأحيان لا تهتم بالصنعة وقواعدها وحدودها، بل تتمرد عليها، وعندما تشعر أن اللغة ـ أداتها الوحيدة ـ لم تخذلها تختبيء وراء الكلمات المشعة والصور الموحية، وعلي الرغم من الفوضي والارتباك والقتامة والفزع ـ والأدق بسبب ذلك ـ تمسك القلم كما يمتشق الفارس حسامه وهو يتهيأ للمعركةالفاصلة، كأن الكتابة هي فعل الكينونة الوحيد، ربما الأخير، وكأنها من ـ خلال الكتابة ـ تعجن العالم وتعيد تشكيله وترتيبه، لكن الصدي يأتي باهتا، صدي تغيير العالم وإعادة ترتيبه ـ فتستفحل مشاعر الحزن والألم والفزع وتمتزج بالغضب والتمرد، فتتموج معاناتها وتنداح، حتي تغرق العالم، لكنها ما تلبث أن تنظر إلي الأفق البعيد فتلوح لها شمعة أو ذبالة شمعة، فتمتشق قلمها / حسامها من جديد وتعاود الكتابة، فالكتابة ليست للمتعة الخالصة، إنها أداة مهمة من أدوات البحث عن عالم أفضل. بقي أن أشير إلي أن الأعمال الكاملة جاءت في مجلد من 425 صفحة، وتشكل إضافة مهمة إلي ما سبق انجازه من إصدارات الأعمال الكاملة من منشورات البنك الأهلي الأردني مثل: الأعمال الكاملة للأدباء:هاشم غرايبة، يوسف ضمرة، تيسير سبول، سالم النحاس، فخري قعوار، وفايز محمود.
وهي تشكل للباحثين والقراء فرصة ثمينة للإطلاع علي الأعمال الأدبية لهؤلاء الكتاب، ودراستها، بعد أن كانت متفرقة في الإصدرات غير المتوفرة في المكتبات، والتي نفد بعضها منذ سنوات، ويشرف الكاتب والإعلامي ناهض حتر علي هذه الأعمال من خلال إدارته للدائرة الثقافية في البنك الأهلي الأردني.
عن القدس العربي ـ من يحيي القيسي
الخميس ٢٩ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
من منشورات البنك الأهلي الأردني ودار ورد للنشر والتوزيع في عمان صدرت مؤخرا الأعمال الأدبية الكاملة للقاصة والباحثة د. هند أبو الشعر، وقد تضمنت المجموعات القصصية: شقوق في كف خضرة العام 1982، ثم المجابهة 1984، و الحصان عام 1990، عندما تصبح الذاكرة وطناً 1996، الوشم 2000، إضافة إلي بواكير قصصها، وأخري من القصص الجديدة التي لم تصدر في مجموعات، وقصائدها الشعرية، ونصوص سردية وشعرية، ومشاهد مسرحية، وقد كتب الناقد د. شكري عزيز ماضي مقدمة لهذه الأعمال.
تتعدد اهتمامات د. هند أبو الشعر الإبداعية عبر مثابرة واضحة أنجزت خلالها عدداً من الإصدارات القصصية، كما ساهم تعمقها في الجانب الأكاديمي في تأليف عدد من البحوث التوثيقية والتأريخية. وقد عرفت أبو الشعر في بداياتها شاعرة نشطة لها مشاركاتها في الأمسيات الشعرية لا سيما أثناء دراستها في الجامعة الأردنية في نهاية السبعينات. وما لبثت أن هجرت الشعر واتجهت نحو القصة القصيرة، . كما كان لها اسهاماتها الواضحة في الفن التشكيلي من خلال المشاركة في العديد من المعارض، ومن جانب آخر تميزت أبحاثها التوثيقية والتأريخية بجهد عالٍ وبحث دؤوب في ما هو جديد في محاولة منها للتأسيس والتأصيل بعيداً عن النقل والاجترار وقد أصدرت في هذا الاتجاه حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي في الكوفة ، اربد وجوارها ناحية بني عبيد 1850 ـ 1928 ، تاريخ شرقي الأردن في العهد العثماني 1516 ـ 1918 . إضافة إلي تحريرها العديد من الكتب المتخصصة ومشاركاتها في المؤتمرات المحلية والعربية. وهي اليوم تعمل أستاذة للتاريخ الحديث وعميدة لكلية الآداب والعلوم بجامعة آل البيت شمال الأردن، إضافة إلي رئاسة تحرير مجلة البيان الثقافية التي تصدرها الجامعة.
يقول الناقد د. ماضي عن هذه الأعمال في مقدمته:
الأديبة هند أبو الشعر من هؤلاء المبدعين الذين أخلصوا لفن القصة القصيرة، وأسهموا في حفر مجراه، مع أن مشروعها الإبداعي لا ينحصر في حق القصة القصيرة، إذ ينطوي علي أشكال إبداعية متنوعة:فهي تكتب القصة القصيرة والشعر والمشاهد المسرحية وتمارس الفن التشكيلي وفوق هذا كله فإنها كاتبة نصوص، وهذه النصوص تضع نفسها في منطقة الحدود المضطربة بين الأجناس المعروفة أوالأنواع المألوفة، إذ تتقاطع مع الشعر والنثر وتتداخل في مستوي ما مع الإبيجراما، وقصيدة النثر، ومع ما اصطلح عليه مؤخرا القصة القصيرة جدا ، فهي نصوص مكتوبة تطرح إشكــالية التصنيف وتجربة الحدود والقيود، لكن القصة القصـــيرة ظلت عشقها الأول، والحقل الفريد الذي غرست فيه سنوات طوالا من عمرها ـ باقتدار لافت ـ تجســـــيد صوت أدبي خاص، صوت هدفه الفن والجمال، وعماده الإنســـــان، وغايته الحرية والعدالة معــــا، لهذا تري أن أسلوبها التعبيري علي مستــــوي الفن ـ يلون وظلل وينحـــــت ويصقل ـ وفي البنية الأعمق يتفاعل مع جدلية الحيــــاة وتناقضاتها، فالأسلوب ليس مجرد وسيلة في الإنشاء والبناء، وإنما هو في اللحظة عينها طريقة في الكشف والإدراك أيضا .
ويضيف الناقد د.ماضي فالقاريء لقصص هند أبو الشعر يحلق في فضاء سردي رمادي قاتم ومرعب فالمناخ العام مأساوي كئيب، والغيوم مكفهرة ومرعبة، لكنها ـ وهذا من خلال نمو الصور السردية والحوارية ونسيج النهايات ـ غيوم متحركة لهذا تبقينا القصص في فزع متصل وفي يقظة دائمة، ربما لأن الأجواء المأساوية التي تهيمن علي العالم القصصي لا تتمحور حول الأنا / الذات الفردية بل ترتبط بالآخر / المصير الجماعي / المصير الإنساني، وربما لأن القصص توميء وسط الظلام الحالك إلي أفق بعيد به كوة صغيرة، كوة الخلاص أو به قبس يمكن أن يتحول إلي شمس لاهبة مطهرة، لكن بروز المصير الإنساني / مصيرالجماعة واختفاء الذات من خلال تقنية الأصوات المتعددة في عدد من القصص، واختفاء السرد بضمير الغائب في عدد آخر ـ لا يعني أن الذات بمنأي عن الفزع والرعب أو بعيدة عما يحدث أو أنها مجرد شاهد علي ما يجري، بل إن الذات وسط اللجة، وخلاصها يكمن في خلاص الجماعة....، ويشعر القاريء من خلال ما يشيعه فينا السرد بشكل مباشر حينا وغير مباشر في أغلب الأحيان أن في نفس الكاتبة حركة موارة تنفث معاناة متراكمة مزمنة، هذه المعاناة تدفعها للكتابة بحثا عن التناغم والانسجام، فتكتب وتكتب، وتصوغ صورا رمزية وأخري سردية انسيابية تجسد الواقع وحركته وما يعتريه من خلل وتناقضات، وفي كثير من الأحيان لا تهتم بالصنعة وقواعدها وحدودها، بل تتمرد عليها، وعندما تشعر أن اللغة ـ أداتها الوحيدة ـ لم تخذلها تختبيء وراء الكلمات المشعة والصور الموحية، وعلي الرغم من الفوضي والارتباك والقتامة والفزع ـ والأدق بسبب ذلك ـ تمسك القلم كما يمتشق الفارس حسامه وهو يتهيأ للمعركةالفاصلة، كأن الكتابة هي فعل الكينونة الوحيد، ربما الأخير، وكأنها من ـ خلال الكتابة ـ تعجن العالم وتعيد تشكيله وترتيبه، لكن الصدي يأتي باهتا، صدي تغيير العالم وإعادة ترتيبه ـ فتستفحل مشاعر الحزن والألم والفزع وتمتزج بالغضب والتمرد، فتتموج معاناتها وتنداح، حتي تغرق العالم، لكنها ما تلبث أن تنظر إلي الأفق البعيد فتلوح لها شمعة أو ذبالة شمعة، فتمتشق قلمها / حسامها من جديد وتعاود الكتابة، فالكتابة ليست للمتعة الخالصة، إنها أداة مهمة من أدوات البحث عن عالم أفضل. بقي أن أشير إلي أن الأعمال الكاملة جاءت في مجلد من 425 صفحة، وتشكل إضافة مهمة إلي ما سبق انجازه من إصدارات الأعمال الكاملة من منشورات البنك الأهلي الأردني مثل: الأعمال الكاملة للأدباء:هاشم غرايبة، يوسف ضمرة، تيسير سبول، سالم النحاس، فخري قعوار، وفايز محمود.
وهي تشكل للباحثين والقراء فرصة ثمينة للإطلاع علي الأعمال الأدبية لهؤلاء الكتاب، ودراستها، بعد أن كانت متفرقة في الإصدرات غير المتوفرة في المكتبات، والتي نفد بعضها منذ سنوات، ويشرف الكاتب والإعلامي ناهض حتر علي هذه الأعمال من خلال إدارته للدائرة الثقافية في البنك الأهلي الأردني.
No comments:
Post a Comment