صوت الاعتدال الإخواني
19/6/2006
على الرغم أنّ الأزمة الأخيرة بين المؤسسة الرسمية والإخوان المسلمين كان لها مقدمات واضحة وسياق سياسي متصاعد منذ شهور، وربما سنوات، إلاّ أنّ ثمة مفارقة كبيرة؛ إذ تفاقمت "الأزمة" بعد الانتخابات التنظيمية الإخوانية الأخيرة التي قدّمت تيار الوسط المعتدل ذي الخطاب الإصلاحي إلى قيادة الجماعة. وكان من المفترض أن تُفتح صفحةٌ جديدة وتوافقات كبيرة بين المؤسسة الرسمية والإخوان، الأمر الذي حصل نقيضه تماماً.
المؤسسة الرسمية، معها العديد من الأصوات الإعلامية والسياسية، تؤكد أن هنالك اختطافاً للإخوان من قبل تيار متشدد، لا يمثل أقلية، بل أصبح اليوم هو التيار السائد، أما صوت الاعتدال الإخواني المعروف على مر العقود السابقة فقد اختفى تحت وطأة التحولات داخل الجماعة التي لم تعد شريكا حقيقيا في الحياة السياسية الأردنية. فوفقاً لمسؤول كبير في الدولة فإنّ "الحديث عن اعتدال الإخوان أو التيار الوسطي داخل الجماعة محض هراء".
يرى اتجاه كبير داخل المؤسسة الرسمية أن تغيراً بنيوياً حصل في توجهات الجماعة وسياساتها، بعد أن كانت تنحاز تاريخيا إلى صف الوطن والمجتمع وشكّلت على الدوام "صمام أمان" حقيقي للاستقرار السياسي والأمن الوطني، فهي اليوم أقرب إلى التقاطع مع أجندة المكتب السياسي لحركة حماس وخدمة محاور إقليمية أخرى، على اختلاف شديد وواضح مع السياسة الأردنية، في ظل مرحلة إقليمية عاصفة لا تقبل إلاّ الانحياز لخيارات الدولة السياسية.
ما مدى قوة صوت الاعتدال الإخواني؟.. أصبح بمثابة "سؤال الساعة" اليوم في الساحة السياسية والإعلامية. من جهته د. عبداللطيف عربيات، وهو شخصية إسلامية مرموقة، معروف باتجاهه السياسي والفكري المعتدل، مثّل مع قيادات تاريخية إخوانية "مانعة صواعق" للأزمات التي كانت تنشب في بعض الأحيان بين المؤسسة الرسمية والإخوان، لكن على خلاف الرؤية الرسمية يرى عربيات أنّ الصراع بين التطرف والاعتدال كان دوماً حاضراً في تاريخ الجماعة، لكن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً وانحساراً كبيرا للتيار المتشدد، الذي سيطر على قيادة الجماعة فترة السبعينيات والثمانينيات. وما يدلل على قوة الاتجاه المعتدل، اليوم، الانتخابات الأخيرة التي أفرزت قيادة وسطية؛ إذ لا يكاد يوجد سوى ثلاثة أشخاص، في كل من المكتب التنفيذي للجماعة والجبهة، ممن يحسبون على التيار المتشدد.
المشكلة، وفقاً لعربيات، تكمن بأنّ التسليط الإعلامي يتم على أصوات محدودة لا تمثل منهج الجماعة، في حين أن التيار العام هو تيار معتدل وفقاً لأصول التربية الإخوانية المعروفة، التي تميز الجماعة عن تيارات الغلو والتطرف. ويستذكر عربيات لقاءه بالملك حسين عندما كان رئيساً لمجلس الأمة، إذ قدّم له الملك ملفاً لتصريحات ومواقف سياسية متشددة صادرة عن أفراد من الجماعة، فكان رد عربيات: "كم هو عدد هذه الأصوات وما هو تأثيرها على مسار الجماعة ومنهجها العام؟!"، بالإشارة إلى العلاقة التاريخية المستقرة التي كانت تصبغ مواقف الطرفين.
ويؤكد قيادي إخواني آخر أنّ النواب الأربعة كانوا قد استدعوا إلى قيادة الجماعة لمساءلتهم حول الزيارة والتصريحات واتخاذ موقف داخلي، إلاّ أنّ الاعتقال سبق ذلك، وأدت الحملة الإعلامية والسياسية إلى تقوية صوت التيار الآخر المتشدد، واكتساب شعبية كبيرة لدى قواعد الإخوان، التي تندفع عادة تحت ضغط الحماس العاطفي، بما يضعف التيار المعتدل. ووفقاً لقيادي إسلامي آخر: "لا يمكن أن نتحدث بلغة هادئة متزنة تدعو إلى التراخي، بينما الشباب يواجهون الحملة الإعلامية والسياسية، بالتأكيد سيكون التيار الآخر أقرب إلى القواعد وأكثر تماهياً وامتزاجاً معها"، وهي الملاحظة ذاتها التي يطرحها د. عربيات بقوله "المعتدلون بحاجة إلى أرضية ثابتة يقفون عليها". أمّا د. رحيل غرايبة، أحد أبرز القيادات الإسلامية، فيرى أن المواقف الحكومية جاءت بنتائج عكسية على تيار الوسط، الذي بإمكانه أن يخوض معركته، ويثبت وجوده، كما حدث في الانتخابات التنظيمية الأخيرة، لكن ما يحتاجه التيار هو الوقت الكافي لإدارة الأوضاع الداخلية في الجماعة.
رد المؤسسة الرسمية على دعوى تيار الاعتدال أنّها لا تملك الوقوف مكتوفة الأيدي أمام تحول الجماعة، وأمام استفزاز مؤسسات الدولة، وزيارة النواب الأربعة إلى بيت عزاء الزرقاوي تمثل تحدياً حقيقياً صارخاً لهيبة الدولة ومواقفها وسياساتها، المسألة، وفقاً لمسؤولين، لا تدخل في سياق حق الاختلاف والمعارضة، فهي مرتبطة بدماء أردنية وبتهديد لأمن الدولة واقتصادها، إذ كادت تفجيرات عمان أن تؤدي إلى ضرب السياحة والاستثمار في الأردن، وهو ما يعود بالضرر على مئات الآلاف من المواطنين.
خارج سياق المناظرة الحالية ثمة أسئلة صريحة: هل من المصلحة الدفع باتجاه الأزمة المشتعلة بين الطرفين؟ وهل بالفعل تحولت جماعة الإخوان لتصبح عبئاً على النظام السياسي وتوازناته الداخلية والإقليمية نتيجة الفجوة الكبيرة بين مواقفها ومواقف المؤسسة الرسمية؟ أم أنّ هنالك إمكانية لبناء قواعد جديدة للعلاقة تبنى على التوافق على أسس المرحلة القادمة واستحقاقاتها ومسار اللعبة السياسية والدور السياسي للجماعة؟..
يؤكد أمين عام جبهة العمل الإسلامي، زكي سعد في مقابلة مع القدس العربي، "لن نقبل التوظيف ونريد أن نكون شركاء، لدينا وجهات نظر ينبغي أن تحترم وسنحترم بالمقابل المواقف الرسمية ومعياري هو المصلحة الوطنية". ابتداءً لا جدال في حق الحزب بالمشاركة والتمثيل السياسي الحقيقي، لكن السلطة الرسمية، بحاجة إلى ضمانات ورسائل واضحة حول أجندة الحزب الوطنية وقدرته على قراءة التوازنات الواقعية التي تحدد شروط الحركة السياسية للدولة، قبل السماح للحزب باستعراض قوته السياسية، وإلاّ، وفقا لمسؤولين، سيدخل الأردن في دوامة جديدة وسيفتح الباب لأصوات خطابية تحسب على السياسة الأردنية، دون أن تمتلك القراءة الصحيحة لمحددات المصلحة الوطنية الأردنية.
لا يزال الوقت مبكراً على إغلاق باب الحوار والتفاهم. وبعيداً عن قضية النواب الأربعة، فإن الصوت الإخواني المعتدل يطالب بمقابلة خاصة للقيادة الإخوانية مع جلالة الملك، وأن توضع كل القضايا الجدلية والخطيرة على طاولة الحوار الصريح والهادئ، أما اللقاءات الملكية الأخيرة التي ضمت أفراداً من الأخوان ضمن فعاليات مختلفة، فهي لا تكفي لبحث إشكاليات علاقة على هذا المستوى الخطير، وهي علاقة سياسية أولاً وأخيراً.
على العموم، لا بديل عن الحوار، كما يرى د. اسحاق الفرحان، أحد الرموز التاريخية للحركة الإسلامية، المعروف بفكره المعتدل، أمّا عن جماعة الأخوان فهي، كما يرى الفرحان، انحازت دوماً خلال ستين عاماً لصف الدولة، وتقدر الظروف السياسية المختلفة، ولها مناهجها الثابتة، فلا أحد تغير لا النظام ولا الجماعة، ربما هنالك اختلاف كبير في قراءة السياسة المطلوبة في التعامل مع المتغيرات المختلفة، لكن يجب ألا يفتح الباب لمن يريدون الاصطياد بالماء العكر وتصفية حساب مع الجماعة على حساب الحكومة أو مع الحكومة من خلال الجماعة.
19/6/2006
على الرغم أنّ الأزمة الأخيرة بين المؤسسة الرسمية والإخوان المسلمين كان لها مقدمات واضحة وسياق سياسي متصاعد منذ شهور، وربما سنوات، إلاّ أنّ ثمة مفارقة كبيرة؛ إذ تفاقمت "الأزمة" بعد الانتخابات التنظيمية الإخوانية الأخيرة التي قدّمت تيار الوسط المعتدل ذي الخطاب الإصلاحي إلى قيادة الجماعة. وكان من المفترض أن تُفتح صفحةٌ جديدة وتوافقات كبيرة بين المؤسسة الرسمية والإخوان، الأمر الذي حصل نقيضه تماماً.
المؤسسة الرسمية، معها العديد من الأصوات الإعلامية والسياسية، تؤكد أن هنالك اختطافاً للإخوان من قبل تيار متشدد، لا يمثل أقلية، بل أصبح اليوم هو التيار السائد، أما صوت الاعتدال الإخواني المعروف على مر العقود السابقة فقد اختفى تحت وطأة التحولات داخل الجماعة التي لم تعد شريكا حقيقيا في الحياة السياسية الأردنية. فوفقاً لمسؤول كبير في الدولة فإنّ "الحديث عن اعتدال الإخوان أو التيار الوسطي داخل الجماعة محض هراء".
يرى اتجاه كبير داخل المؤسسة الرسمية أن تغيراً بنيوياً حصل في توجهات الجماعة وسياساتها، بعد أن كانت تنحاز تاريخيا إلى صف الوطن والمجتمع وشكّلت على الدوام "صمام أمان" حقيقي للاستقرار السياسي والأمن الوطني، فهي اليوم أقرب إلى التقاطع مع أجندة المكتب السياسي لحركة حماس وخدمة محاور إقليمية أخرى، على اختلاف شديد وواضح مع السياسة الأردنية، في ظل مرحلة إقليمية عاصفة لا تقبل إلاّ الانحياز لخيارات الدولة السياسية.
ما مدى قوة صوت الاعتدال الإخواني؟.. أصبح بمثابة "سؤال الساعة" اليوم في الساحة السياسية والإعلامية. من جهته د. عبداللطيف عربيات، وهو شخصية إسلامية مرموقة، معروف باتجاهه السياسي والفكري المعتدل، مثّل مع قيادات تاريخية إخوانية "مانعة صواعق" للأزمات التي كانت تنشب في بعض الأحيان بين المؤسسة الرسمية والإخوان، لكن على خلاف الرؤية الرسمية يرى عربيات أنّ الصراع بين التطرف والاعتدال كان دوماً حاضراً في تاريخ الجماعة، لكن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً وانحساراً كبيرا للتيار المتشدد، الذي سيطر على قيادة الجماعة فترة السبعينيات والثمانينيات. وما يدلل على قوة الاتجاه المعتدل، اليوم، الانتخابات الأخيرة التي أفرزت قيادة وسطية؛ إذ لا يكاد يوجد سوى ثلاثة أشخاص، في كل من المكتب التنفيذي للجماعة والجبهة، ممن يحسبون على التيار المتشدد.
المشكلة، وفقاً لعربيات، تكمن بأنّ التسليط الإعلامي يتم على أصوات محدودة لا تمثل منهج الجماعة، في حين أن التيار العام هو تيار معتدل وفقاً لأصول التربية الإخوانية المعروفة، التي تميز الجماعة عن تيارات الغلو والتطرف. ويستذكر عربيات لقاءه بالملك حسين عندما كان رئيساً لمجلس الأمة، إذ قدّم له الملك ملفاً لتصريحات ومواقف سياسية متشددة صادرة عن أفراد من الجماعة، فكان رد عربيات: "كم هو عدد هذه الأصوات وما هو تأثيرها على مسار الجماعة ومنهجها العام؟!"، بالإشارة إلى العلاقة التاريخية المستقرة التي كانت تصبغ مواقف الطرفين.
ويؤكد قيادي إخواني آخر أنّ النواب الأربعة كانوا قد استدعوا إلى قيادة الجماعة لمساءلتهم حول الزيارة والتصريحات واتخاذ موقف داخلي، إلاّ أنّ الاعتقال سبق ذلك، وأدت الحملة الإعلامية والسياسية إلى تقوية صوت التيار الآخر المتشدد، واكتساب شعبية كبيرة لدى قواعد الإخوان، التي تندفع عادة تحت ضغط الحماس العاطفي، بما يضعف التيار المعتدل. ووفقاً لقيادي إسلامي آخر: "لا يمكن أن نتحدث بلغة هادئة متزنة تدعو إلى التراخي، بينما الشباب يواجهون الحملة الإعلامية والسياسية، بالتأكيد سيكون التيار الآخر أقرب إلى القواعد وأكثر تماهياً وامتزاجاً معها"، وهي الملاحظة ذاتها التي يطرحها د. عربيات بقوله "المعتدلون بحاجة إلى أرضية ثابتة يقفون عليها". أمّا د. رحيل غرايبة، أحد أبرز القيادات الإسلامية، فيرى أن المواقف الحكومية جاءت بنتائج عكسية على تيار الوسط، الذي بإمكانه أن يخوض معركته، ويثبت وجوده، كما حدث في الانتخابات التنظيمية الأخيرة، لكن ما يحتاجه التيار هو الوقت الكافي لإدارة الأوضاع الداخلية في الجماعة.
رد المؤسسة الرسمية على دعوى تيار الاعتدال أنّها لا تملك الوقوف مكتوفة الأيدي أمام تحول الجماعة، وأمام استفزاز مؤسسات الدولة، وزيارة النواب الأربعة إلى بيت عزاء الزرقاوي تمثل تحدياً حقيقياً صارخاً لهيبة الدولة ومواقفها وسياساتها، المسألة، وفقاً لمسؤولين، لا تدخل في سياق حق الاختلاف والمعارضة، فهي مرتبطة بدماء أردنية وبتهديد لأمن الدولة واقتصادها، إذ كادت تفجيرات عمان أن تؤدي إلى ضرب السياحة والاستثمار في الأردن، وهو ما يعود بالضرر على مئات الآلاف من المواطنين.
خارج سياق المناظرة الحالية ثمة أسئلة صريحة: هل من المصلحة الدفع باتجاه الأزمة المشتعلة بين الطرفين؟ وهل بالفعل تحولت جماعة الإخوان لتصبح عبئاً على النظام السياسي وتوازناته الداخلية والإقليمية نتيجة الفجوة الكبيرة بين مواقفها ومواقف المؤسسة الرسمية؟ أم أنّ هنالك إمكانية لبناء قواعد جديدة للعلاقة تبنى على التوافق على أسس المرحلة القادمة واستحقاقاتها ومسار اللعبة السياسية والدور السياسي للجماعة؟..
يؤكد أمين عام جبهة العمل الإسلامي، زكي سعد في مقابلة مع القدس العربي، "لن نقبل التوظيف ونريد أن نكون شركاء، لدينا وجهات نظر ينبغي أن تحترم وسنحترم بالمقابل المواقف الرسمية ومعياري هو المصلحة الوطنية". ابتداءً لا جدال في حق الحزب بالمشاركة والتمثيل السياسي الحقيقي، لكن السلطة الرسمية، بحاجة إلى ضمانات ورسائل واضحة حول أجندة الحزب الوطنية وقدرته على قراءة التوازنات الواقعية التي تحدد شروط الحركة السياسية للدولة، قبل السماح للحزب باستعراض قوته السياسية، وإلاّ، وفقا لمسؤولين، سيدخل الأردن في دوامة جديدة وسيفتح الباب لأصوات خطابية تحسب على السياسة الأردنية، دون أن تمتلك القراءة الصحيحة لمحددات المصلحة الوطنية الأردنية.
لا يزال الوقت مبكراً على إغلاق باب الحوار والتفاهم. وبعيداً عن قضية النواب الأربعة، فإن الصوت الإخواني المعتدل يطالب بمقابلة خاصة للقيادة الإخوانية مع جلالة الملك، وأن توضع كل القضايا الجدلية والخطيرة على طاولة الحوار الصريح والهادئ، أما اللقاءات الملكية الأخيرة التي ضمت أفراداً من الأخوان ضمن فعاليات مختلفة، فهي لا تكفي لبحث إشكاليات علاقة على هذا المستوى الخطير، وهي علاقة سياسية أولاً وأخيراً.
على العموم، لا بديل عن الحوار، كما يرى د. اسحاق الفرحان، أحد الرموز التاريخية للحركة الإسلامية، المعروف بفكره المعتدل، أمّا عن جماعة الأخوان فهي، كما يرى الفرحان، انحازت دوماً خلال ستين عاماً لصف الدولة، وتقدر الظروف السياسية المختلفة، ولها مناهجها الثابتة، فلا أحد تغير لا النظام ولا الجماعة، ربما هنالك اختلاف كبير في قراءة السياسة المطلوبة في التعامل مع المتغيرات المختلفة، لكن يجب ألا يفتح الباب لمن يريدون الاصطياد بالماء العكر وتصفية حساب مع الجماعة على حساب الحكومة أو مع الحكومة من خلال الجماعة.
محمد أبو رمان
جريدة الغد الأردنية
No comments:
Post a Comment