عمان ـ ابراهيم السواعير - استذكر باحثو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين الأربعة: سليمان المشيني،عقلة حداد، د.أسامة شهاب، وحنا ميخائيل سلامة مساءيوم 10-12-2005 ذكرى «ناسك الحصن»، و«راهب الصومعة»، الراحل أديب عباسي، ومساهماته الجلى في الفكر والأدب والمعرفة بمناسبة مرور مائة عام على ولادته
مهد المشيني للندوة بمقدمة رثائية، وسيرة ذاتية، وغيض من فيض عباسي في الشعر والأدب، المطبوع منه، وغير المطبوع
قال المشيني:«طيب الله ثراك أيها الأديب، وقدس روحك يا أيها الطود الذي ظل يراعه يستنزف منه نورا دائما، وقوة غير متناهية، وينبوعا سرمديا لا يجف؛ فسلام عليك في الخالدين وقد امتد حسك بعيدا، وأبصرت عيناك ما لا يبصر الآخرون، فاعتزلت الناس وعكفت في بيتك وبين أوراقك تنقب وتبحث وتنظر؛ فتقدر وتستكشف ما خفي عن المحيطين في دوامة هذه الحياة الزائلة وتيارها المجنون! ..سلام عليك، وعلى الجدر الأربعة في «العقد»، وقد تخطى نورك الحبس؛ ولما لم يجد من يعين على البوح عاد إلى .قراره المكين.»
وفي حديثه عن حياته، قال المشيني: ولد الراحل عام 1905، وتميزت حياته بالعزلة الرهيبة التي فرضها على نفسه احتجاجا على واقع مرير عاشه، وقد كان آخر عهده بالدنيا غرفة متواضعة يقضي فيها عملاق، مثله، ما تبقى له من عمر تحيط به أوراقه وكتبه ومساجلاته، وقد لاقى ما لاقى من عذابات الوحدة والفاقة بيد أنه ظل كالطود الأشم لم تنحن له هامة، ولم تلن له قناة حتى لقي وجه ربه عام سبعة وتسعين في «العقد» الذي ''فزعت» إليه وزارة الثقافة وأنشأت فيه متحفا ما زال يزار، ولكن، بعد رحيله
وأضاف المشيني إن عباسي كتب في الصحف المصرية كالرسالة والهلال والمقتطف، وقد ساجل العقاد وزامل المنفلوطي والرافعي وصروف وطه حسين. وقد هضم الثقافتين: العربية والإنجليزية؛ فاستخلص نظريات فلسفية، وقدم شروحا لشكسبير، وكان ذواقة تميز بقريحة وقادة وبصيرة نفاذة، بل كان فلتة من فلتات الزمان. يضاف إلى هذا كله أنه اعتصر شغافه شعرا، وهو يستخرج من اللغة ما يشدو بألحانه المشجية وتعبيره الذي تفرد بجمال الديباجة وصفاء الأنغام
وقال إن الراحل نبغ مبكرا ليحظى بدار المعلمين في القدس عام سبعة وعشرين، والجامعة الأمير كية في بيروت عام ثلاثين، وقد غلب هيامه بالعربية وفنونها على دراسته للاقتصاد ليضفر بالبكالوريوس في الآداب. قضى سنين في التعليم حتى اعتزل وحيدا في داره منذ عام اثنين وأربعين تاركا قبل وفاته، عام سبعة وتسعين، ما يربو على مائة أثر جله مخطوط! كان مما ترك مخطوطات في الفلسفة والمعرفة والأدب الإنجليزي والعربي، ودراسات قيمة للعالم إينيشتاين. من مخطوطاته التي ترك:»غزل الشباب»،»في المرصاد»،»الستار النجمي»،ومن مطبوعة»عودة لقمان»،و»أشواق قيثار». مما يذكر له انه قضى دون زواج، وكان ثاني خريج أردني من الجامعة الأميركية في بيروت بصحبة علي سيدو الكردي وحسني فريز. وقد كان موسوعيا في الكتابة، ولا أحد يعلم علم اليقين سر اعتزاله الطويل، وقد كرمته وزارة الثقافة، وأمانة عمان فطبعتا له في منشوراتهما، واحتفتا به، ونال جوائز تقديرية في حياته
وأورد المشيني بعضا من أشعار الراحل، منها:» وبحيرة مهجورة في مهدها/ محجوزة من دونها الآلاء....لا الطير آتيها بنغمة شاكر/ فترد ما تفضي به الأصداء...والريح عادت لا تدغدغ صدرها/ والموج عافت ضعفه الأنواء!»
وجاء القاص عقلة حداد بحوار أجراه مع الراحل سنة ست وخمسين في جريدة فلسطين، وتلاه على الحاضرين، وقد بدت فيه بلاغة عباسي في الرد والتمثل والاستشهاد. وكان الحوار،آنذاك يبدو قطعة فنية فاخرة استهلها حداد بوصف قرية تقبع على سفح عجلون، وتبعد ثمانية كيلو مترات جنوبا عن مدينة إربد، مبنية على تلال ثلاثة، أجملها منظرا التلة الجنوبية تليها الوسطى، وتحيط بها الجبال من الغرب والجنوب حيث الكروم، وشمالا يجثم حصن كبير سميت القرية باسمه
وجاء في الحوار على لسان حداد: «...لما كبرنا، أخذنا نتردد على صومعة الأستاذ التي ترهبن فيها مدة طويلة،.....أخذنا نتردد لنستمع إلى هذا الذي يتحدث في كل شيء: في السياسة والعلوم الطبيعية والاجتماعية والنفسية!». ومما جاء في الحوار أيضا، حين سئل الراحل عن عزلته»العزلة عزلتان: عزلة جسمية، وعزلة روحية..فإذا كان المقصود بالعزلة الجسمية فأديب منعزل، وإذا كانت العزلة روحية فأديب أكثر الناس اتصالا بالناس وبحث مشكلاتهم فيما يكتب ويخطب شعرا ونثرا في اللغتين العربية والأنجليزية، وقد وضحت رأيي في إحدى قصائدي المسماة( ألفة الضباع): ولست، وإن باعدت بيني وبينهم/ بكارههم لكنما البعد أنجع...فمن يدن يعرف والذي كان شأنهم/ ولما يزل عند التكشف يفجع
وقرأ د.أسامة شهاب شهادات للراحل تضمنها كتاب»أحسن ما كتب الأرادنة إلى عام 46» للأديب الراحل العزيزي، جاء فيها:» أقدر عدد الكتب التي تنطوي عليها مخطوطاتي، بنحو(300) كتاب، من أحجام مختلفة، منها الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الصغير، أما المطبوع لي، فعدد كبير من المقالات والمباحث، في الصحف المصرية، وغيرها من الصحف العربية والجزء الأول المطبوع في كتاب هو»عودة لقمان» بصرف النظر عما طبع من كتبي انتحالا بدون علمي، وغير ما انتحل بعلمي أيضا.»
وختم حنا ميخائيل سلامة بقوله: «وإذ كان الثرى قد غيب الأستاذ النابغة؛ فهلا أخذنا بطرح د.قطامي، وجمعنا كل إنتاجه الثمين المبعثر هنا وهناك، وأعدنا طباعتهـ وأقمنا في الوقت عينه على نظرياته العلمية وبحوثه وجملة مقالاته!». وعبر عن دهشته لكتاب «أي الكونين هذا الكون!»؛ وقد حفظ في رفوف مكتبة الجامعة الأردنية عام تسعة وثمانين، وتمت استعارته للمرة الأولى بعد ست سنوات من دخوله المكتبة
مهد المشيني للندوة بمقدمة رثائية، وسيرة ذاتية، وغيض من فيض عباسي في الشعر والأدب، المطبوع منه، وغير المطبوع
قال المشيني:«طيب الله ثراك أيها الأديب، وقدس روحك يا أيها الطود الذي ظل يراعه يستنزف منه نورا دائما، وقوة غير متناهية، وينبوعا سرمديا لا يجف؛ فسلام عليك في الخالدين وقد امتد حسك بعيدا، وأبصرت عيناك ما لا يبصر الآخرون، فاعتزلت الناس وعكفت في بيتك وبين أوراقك تنقب وتبحث وتنظر؛ فتقدر وتستكشف ما خفي عن المحيطين في دوامة هذه الحياة الزائلة وتيارها المجنون! ..سلام عليك، وعلى الجدر الأربعة في «العقد»، وقد تخطى نورك الحبس؛ ولما لم يجد من يعين على البوح عاد إلى .قراره المكين.»
وفي حديثه عن حياته، قال المشيني: ولد الراحل عام 1905، وتميزت حياته بالعزلة الرهيبة التي فرضها على نفسه احتجاجا على واقع مرير عاشه، وقد كان آخر عهده بالدنيا غرفة متواضعة يقضي فيها عملاق، مثله، ما تبقى له من عمر تحيط به أوراقه وكتبه ومساجلاته، وقد لاقى ما لاقى من عذابات الوحدة والفاقة بيد أنه ظل كالطود الأشم لم تنحن له هامة، ولم تلن له قناة حتى لقي وجه ربه عام سبعة وتسعين في «العقد» الذي ''فزعت» إليه وزارة الثقافة وأنشأت فيه متحفا ما زال يزار، ولكن، بعد رحيله
وأضاف المشيني إن عباسي كتب في الصحف المصرية كالرسالة والهلال والمقتطف، وقد ساجل العقاد وزامل المنفلوطي والرافعي وصروف وطه حسين. وقد هضم الثقافتين: العربية والإنجليزية؛ فاستخلص نظريات فلسفية، وقدم شروحا لشكسبير، وكان ذواقة تميز بقريحة وقادة وبصيرة نفاذة، بل كان فلتة من فلتات الزمان. يضاف إلى هذا كله أنه اعتصر شغافه شعرا، وهو يستخرج من اللغة ما يشدو بألحانه المشجية وتعبيره الذي تفرد بجمال الديباجة وصفاء الأنغام
وقال إن الراحل نبغ مبكرا ليحظى بدار المعلمين في القدس عام سبعة وعشرين، والجامعة الأمير كية في بيروت عام ثلاثين، وقد غلب هيامه بالعربية وفنونها على دراسته للاقتصاد ليضفر بالبكالوريوس في الآداب. قضى سنين في التعليم حتى اعتزل وحيدا في داره منذ عام اثنين وأربعين تاركا قبل وفاته، عام سبعة وتسعين، ما يربو على مائة أثر جله مخطوط! كان مما ترك مخطوطات في الفلسفة والمعرفة والأدب الإنجليزي والعربي، ودراسات قيمة للعالم إينيشتاين. من مخطوطاته التي ترك:»غزل الشباب»،»في المرصاد»،»الستار النجمي»،ومن مطبوعة»عودة لقمان»،و»أشواق قيثار». مما يذكر له انه قضى دون زواج، وكان ثاني خريج أردني من الجامعة الأميركية في بيروت بصحبة علي سيدو الكردي وحسني فريز. وقد كان موسوعيا في الكتابة، ولا أحد يعلم علم اليقين سر اعتزاله الطويل، وقد كرمته وزارة الثقافة، وأمانة عمان فطبعتا له في منشوراتهما، واحتفتا به، ونال جوائز تقديرية في حياته
وأورد المشيني بعضا من أشعار الراحل، منها:» وبحيرة مهجورة في مهدها/ محجوزة من دونها الآلاء....لا الطير آتيها بنغمة شاكر/ فترد ما تفضي به الأصداء...والريح عادت لا تدغدغ صدرها/ والموج عافت ضعفه الأنواء!»
وجاء القاص عقلة حداد بحوار أجراه مع الراحل سنة ست وخمسين في جريدة فلسطين، وتلاه على الحاضرين، وقد بدت فيه بلاغة عباسي في الرد والتمثل والاستشهاد. وكان الحوار،آنذاك يبدو قطعة فنية فاخرة استهلها حداد بوصف قرية تقبع على سفح عجلون، وتبعد ثمانية كيلو مترات جنوبا عن مدينة إربد، مبنية على تلال ثلاثة، أجملها منظرا التلة الجنوبية تليها الوسطى، وتحيط بها الجبال من الغرب والجنوب حيث الكروم، وشمالا يجثم حصن كبير سميت القرية باسمه
وجاء في الحوار على لسان حداد: «...لما كبرنا، أخذنا نتردد على صومعة الأستاذ التي ترهبن فيها مدة طويلة،.....أخذنا نتردد لنستمع إلى هذا الذي يتحدث في كل شيء: في السياسة والعلوم الطبيعية والاجتماعية والنفسية!». ومما جاء في الحوار أيضا، حين سئل الراحل عن عزلته»العزلة عزلتان: عزلة جسمية، وعزلة روحية..فإذا كان المقصود بالعزلة الجسمية فأديب منعزل، وإذا كانت العزلة روحية فأديب أكثر الناس اتصالا بالناس وبحث مشكلاتهم فيما يكتب ويخطب شعرا ونثرا في اللغتين العربية والأنجليزية، وقد وضحت رأيي في إحدى قصائدي المسماة( ألفة الضباع): ولست، وإن باعدت بيني وبينهم/ بكارههم لكنما البعد أنجع...فمن يدن يعرف والذي كان شأنهم/ ولما يزل عند التكشف يفجع
وقرأ د.أسامة شهاب شهادات للراحل تضمنها كتاب»أحسن ما كتب الأرادنة إلى عام 46» للأديب الراحل العزيزي، جاء فيها:» أقدر عدد الكتب التي تنطوي عليها مخطوطاتي، بنحو(300) كتاب، من أحجام مختلفة، منها الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الصغير، أما المطبوع لي، فعدد كبير من المقالات والمباحث، في الصحف المصرية، وغيرها من الصحف العربية والجزء الأول المطبوع في كتاب هو»عودة لقمان» بصرف النظر عما طبع من كتبي انتحالا بدون علمي، وغير ما انتحل بعلمي أيضا.»
وختم حنا ميخائيل سلامة بقوله: «وإذ كان الثرى قد غيب الأستاذ النابغة؛ فهلا أخذنا بطرح د.قطامي، وجمعنا كل إنتاجه الثمين المبعثر هنا وهناك، وأعدنا طباعتهـ وأقمنا في الوقت عينه على نظرياته العلمية وبحوثه وجملة مقالاته!». وعبر عن دهشته لكتاب «أي الكونين هذا الكون!»؛ وقد حفظ في رفوف مكتبة الجامعة الأردنية عام تسعة وثمانين، وتمت استعارته للمرة الأولى بعد ست سنوات من دخوله المكتبة
No comments:
Post a Comment